الفصل الثالث – ملائكة بأخبار جيدة
لقد مرت أكثر من ألف وتسعمائة سنة منذ أن طلب يسوع أتباعه بأخذ الإنجيل إلى كل العالم. وقال إنه عندما يتم ذلك، ثم ستأتي النهاية (متى ٢٤ :١٤).
الحقيقة التي قد جاء أبن الله إلى الكشف عنها لم يجب أن تخضع للحراسة باعتبارها سراً معروفا إلا من قبل القلة المحظوظة. بنيت بعض الديانات الأكثر شعبية في يوم يسوع، والمعروفة باسم الألغاز، حول المعلومات المقدسة المكشوف عنها فقط لأولئك الذين اجتازوا خلال طقوس خاصة للبدء.
ولكن الإنجيل يعني «الأخبار الجيدة»، وعلى هذا النحو كان ليكون معروف علنا. ووجه يسوع أن يحظى ذلك لتداول على أوسع نطاق ممكن، حتى على قدر «نهاية الأرض» (أعمال الرسل ١ :٨)، إلى «جميع الأمم» (متى ٢٨ :١٩)، «لكل الخليقة» (مرقس ١٦ :١٥). بقدر ما إلى أكاذيب الشيطان قد ذهبت، لذلك يجب أن تذهب الحقيقة.
تم تعيين الثقة بمجموعة صغيرة من المؤمنين المسيحيين للوفاء بهذه المهمة الهائلة. حتى إنهم يتوقعون بالانتهاء منه في وقت قصير جداً. ولولا أن أشار يسوع بأنه سوف يعود قريبا؟ وأن لم يحذرهم بأن يكونوا دائما في حالة ترقب خشية أن لا يكونوا مستعدين لعودته وأنه يضبطهم بصورة مفاجأة؟ حتى أن بعض المؤمنين في تسالونيكي توقفوا عن العمل، انطلاقاً من الاعتقاد الخاطئ بأن النهاية قد حانت بالفعل. وبولس إعلامهم أنه لا تزال هناك بعض الأحداث المهمة بعد أن تتم قبل عودة المسيح (٢ تسالونيكي ٢ :١-١٢؛ ٣ :٦-١٣).
ولكن مر جيل كامل، ولا يزال الرب قد لم يأتي. الآن وقد ترك يوحنا فقط من الرسل الاثني عشر الأصلية، وكان في السجن وحيداً على جزيرة بطمس. هل كان شيئاً حصل من خطأ؟ تم استقبال الأخبار السارة بصورة حسنة من قبل العديد. ولكن قد أدى أيضا لمعارضة جدية وعنيفة في بعض الأحيان. حتى قد تم قتل العديد من المسيحيين على أيدي نفس الأشخاص الذين كانوا يحاولون المساعدة.
ولكن، أكثر من ذلك بكثير على محمل الجد، بدأ بعض المؤمنين للشك في صدق الأخبار السارة التي كانوا يحاولون نشرها. وحتى الآن كان البعض ينكرون بأن أبن الله قد جاء فعلاً في شكل الإنسان لجلب الحقيقة عن والده (٢ يوحنا ٧).
في هذه اللحظة الحرجة أرسل الله رسالة أخرى من التشجيع والتفسير. للسجين المسنين في جزيرة بطمس بعث المعلومات المسجلة في الكتاب الأخير من العهد الجديد. ووصف يوحنا بأن «هذا ما أعلَنَهُ يَسوعُ المَسيحُ بِهِبَةٍ مِنَ الله لِـيَكشِفَ لعِبادِهِ ما لا بُدّ مِنْ حُدوثِهِ عاجِلاً، فأرسَلَ ملاكَهُ ليُخبِرَ بِه عَبدَهُ يوحنّا» (رؤيا ١:١).
نصحت هذه الرسالة المسيحيين لاتخاذ عرض أكبر للحياة من مجرد الصعوبات اللحظية. يجب أن يفهم الفرد المؤمن بأنه أصبح يشارك بنشاط في خلاف كبير بين المسيح والشيطان، الصراع الذي ينطوي على الكون كله.
لأول مرة في الكتاب المقدس يرد الذكر فيما يتعلق بالحرب منذ زمن بعيد في الجنة ومدى تأثير الشيطان بين الملائكة (انظر رؤيا ١٢). يجب أن يتعلم المسيحي للنظر إلى مهمته الخاصة في ضوء هذا النضال الكبير. ثم عندما يبدو أن مصير عمل نشر الإنجيل قد فشل والمجيء الثاني للمسيح تأخر إلى أجل غير مسمى، فأنه يتذكر الخلاف الكبير وعلى كل ما أنجزه الله حتى الآن.
وأنه يتذكر كيف عبر العصور عمل الله بصبر من أجل كشف الحقيقة عن نفسه وأنه لا يزال يعمل بصبر تماماً كما هو الحال الآن للفوز بالجنس البشري. ثم يتحول الإحباط خلال التأخير إلى الامتنان والإعجاب بنعمة الله التي لا حصر لها، والمؤمن هو نفسه الآن أيضاً أكثر استعداداً للانتظار.
وعلاوة على ذلك، كتاب يوحنا الوحي يتحدث عن غضب الشيطان مع أولئك الذين يتجرؤون على إحباط جهوده لخداع العالم. كما أنه يسعى لتحويل الناس ضد الله، وغضب بسمع شهادة أولئك المستمرة الذين لا تزال تختار ل «يَعمَلونَ بِوَصايا اللهِ وعِندَهُم شهادَةُ يَسوعَ» (رؤيا ١٢ :١٧). وهذا من شأنه يساعد المؤمنين بفهم لماذا جهودها لتعليم الحقيقة لقد أثارة مقاومة شرسة من هذا القبيل.
ومن ثم، ناظراً إلى المستقبل، تنبأ رؤيا ١٣ محاولة الشيطان الأخيرة، العليا عن طريق الخداع، معجزة، والقوة لإسكات الحقيقة ويقيم نفسه كالله. شديدٌ جداً ذلك النضال بحيث أن يوحنا قاطع وصفه ليقول «وهذا يتطلب القدرة على التحمل والإيمان من جانب شعب الله» (رؤيا ١٣ :١٠).
في الفصل ١٤ يذهب الرسول على وصف هذه الشركة من شعب الله كما تزال تقاوم أكاذيب الشيطان باستمرار حتى النهاية. بشكل بارز ذكر بأنه «في أفواههم لم يوجد كذبة» (رؤيا ١٤ :٥). حتى في مخاطر الحياة رفضوا الانضمام إلى العالم في التحول من إله الحقيقة لعبادة الشخص الذي قد دعاه المسيح «أبو الكذب» (يوحنا ٨ :٤٤). بدلاً من ذلك، فإنهم استمروا «يتَمَسّكونَ بِوَصايا اللهِ والإيمانِ بِـيَسوعَ» (رؤيا ١٤ :١٢).
كما تنتقل المسابقة نحو ذروتها، شعب الله المخلصين لا تنتظر مجرد الانتظار السلبي لعودة وعد ربهم. فإنها لن تسمح للعدو للفوز بالعالم بشكل افتراضي! بدلا من ذلك، فإنها تضاعف جهودها لاستكمال المهمة الأصلية لنشر الحقيقة في كل ركن من أركان الأرض.
مرة أخرى في لغة رمزية من كتاب الرؤيا، يوحنا يكتب لرؤية هذا الجهد العظيم لنشر الإنجيل الذي يمثله الملائكة بجلب الرسائل العاجلة من الجنة. وهو يذكر بشكل خاص الثلاثة في الفصل ١٤.
الأول الذي راه يوحنا «ثُمّ رأيتُ مَلاكًا آخَرَ يَطيرُ في وسَطَ السّماءِ، معَهُ بِشارَةٌ أبدِيّةٌ يُبشّرُ بِها سُكّانَ الأرضِ مِنْ كُلّ أُمّةٍ وقَبـيلةٍ ولِسانٍ وشَعبٍ… وكانَ يَصيحُ [الملاك] بِصوتٍ عظيمٍ: «خافوا اللهَ ومَجّدوهُ! جاءَتْ ساعَةُ الدّينونَةِ، فاَسجُدوا لِمَنْ خلَقَ السّماءَ والأرضَ والبحرَ واليَنابـيعَ!» (رؤيا ١٤ :٦، ٧).
«وتَبِعَهُ ملاكٌ ثانٍ آخَرُ يَصيحُ: “سَقَطَتْ، سَقَطَتْ بابِلُ العَظيمةُ …» (رؤيا ١٤ :٨). وقد انهارت معارضة الله، على حد سواء في الفساد وفي الهزيمة!
وتبع ذلك الملاك الثالث الأولين وفي لغة حية حذر من عواقب وخيمة من الاعتقاد بأكاذيب الشيطان والانضمام له في التمرد ضد الله. مرة أخرى هناك دعوة ل «صَبرُ القِدّيسينَ الذينَ يتَمَسّكونَ بِوَصايا اللهِ والإيمانِ بِـيَسوعَ» (رؤيا ١٤ :١٢).
هذه الرسائل الثلاث، في الظروف التي تقدم لهم، يبدو أن تلخص رسالة الله الأخيرة من دعوة وتحذير لعالمنا. إلا أن الرسالة ليست جديدة. وصفت الأخبار الجيدة من الملاك الأول بالأبدية، أزلية. فقد كانت دائماً الحقيقة.
كانت الحقيقة في الأبدية، حتى قبل بدأ لوسيفر إلى تعميم أكاذيبه. هذه هي الحقيقة نفسها التي عقدت الولاء لغالبية أبناء الله في كل أنحاء الكون. وسوف تبقى الحقيقة التي لا نهاية لها على مر العصور الأبدية، والحقيقة هي الأساس في إرادتنا الحرة لثقتنا بالله.
ولكن ما هي بالضبط هذه الحقيقة، وهذا الإنجيل الأبدي والأخبار الجيدة؟